يعد قرار اقتناء سيارة من القرارات المصيرية في حياتنا، فلم تعد السيارة مجرد مركبة تقلّنا إلى الأماكن التي نرغب في التوجه إليها، وأصبحت عوامل مثل الترفيه والمساحة الداخلية والاستهلاك الاقتصادي للوقود والأمان والسعر من العوامل المؤثرة في قراراتنا، إضافة إلى الاستجابة السريعة ودقة أداء عجلة القيادة والتسارع النشط والتنقل الحركي المحدود لجسم السيارة وقوة القبض على الإطارات وقوة نظام المكابح، جميعها من المزايا التي تحقق الشعور بالرضا.
وانطلاقاً من كل ما سبق قامت مجلة «كار أند درايفر» الأمريكية، بإجراء اختبار مناورات الممرات الضيقة لتثبت أن المغزى الأساسي من قيادة أي مركبة تعمل بمحرك، هو أن يشعر قائدها بالرضا، ووضعت تحت الاختبار آخر إصدارات «هوندا» المتميزة من طراز السيدان الرياضية متوسطة الحجم «هوندا أكورد» مقابل اثنين من الموديلات رباعية الأبواب التي تم تعديلهما أخيراً، وهما فورد فيوجن ومازدا 6.
قضى المحررون بالمجلة يومين للقيام بالاختبار بداية من ساحة سباق ويللو في صحراء كاليفورنيا الجنوبي، وحتى الممرات الضيقة والعاصفة في وادي سانتا ينيز، حيث متعة المناورة المتنوعة ما بين الإسراع عند الخروج من الطرق، والإبطاء عند دخولها وتوصلوا إلى النتيجة التالية:
المركز الثالث: فورد فيوجن إس إي 2010
يبلغ مقدار الوقود المستهلك عن طريق محرك «فورد» المعدلة، حسب معايير الوكالة الأوروبية للتلوث البيئي 41 غالون/ ميل داخل المدينة، و36 غالون/ ميل على الطرق السريعة.
ومن بين التعديلات الوظيفية التي أدخلت على فورد فيوجن إس إي 2010، زيادة قوة المحرك رباعي الأسطوانة من فئة ديوراتيك، بمقدار 15 حصاناً إضافياً، لتصبح 157 حصاناً. كما تبلغ سعته 2.5 لتر، ما يجعله مشابهاً لتصميم محرك المازدا، ويميزه عن الموديل السابق، ويضعه في مكانة تسبق الموديلات الأخرى من طراز السيارات المعدلة متوسطة الحجم. ويمكن القول إن التعديلات ذات الأهمية في فيوجن هي فقط التعديلات الوظيفية، أما التصميم الخارجي الجديد، فلم يكن متميزاً على الإطلاق، حيث بدا ضئيلاً وغير ملحوظ. كما أنه اقتصر على وجه السيارة بتعريض القضبان المعدنية الثلاثة، وإضافة جناحين صغيرين على جانبيهما.
أما عن التصميم الداخلي، فستجد لوحة التحكم وإطارات الأبواب مكسوة بالبلاستيك المطعم بالخشب الحبيبي، ما يجعل مظهره أشبه بجلد النعام أو عجل البحر، ويعطيك انطباعاً بخشونة الملمس، حتى القماش المستخدم في الفرش الداخلي للسيارة يفتقر إلى الجودة ويعكس سوء التصميم والتنفيذ.
وبالعودة إلى التعديلات الوظيفية، ليس هناك شك في أن فورد فيوجن تشارك الموديلين الآخرين، من هوندا ومازدا، في قمة الأداء من حيث الالتزام نفسه بسمات السلامة الصحية البيئية، والأضواء الخلفية التي تمت إضافتها للاستخدام الليلي، بل يميزها عنهما، كذلك يمنحها نظام الإضاءة الذي يجمع بين اللونين الأبيض والأزرق مظهراً مشرقاً ومفعماً بالحيوية.
وتختلف سياسة تصميم المقاعد المتبعة في فورد، والتي تحافظ على توفير نظام تعديل يدوي للمقاعد الخلفية، عن غيرها من الشركات. ويعد أداء تقنية الدعم الخلفي للمقاعد الأمامية المتوافرة في فورد فيوجن أفضل من تقنيات الموديلين الآخرين، كما توفر المقاعد الخلفية مساحة لشخصين ناضجين أو ثلاثة بالكاد. تبلغ مساحة صندوق السيارة 17 قدماً مربعة، مثل المازدا، بما يجعلهما مختلفتين عن موديل الهوندا التي تبلغ مساحة صندوقها 14 قدماً مربعة.
أما نظام التعليق الخاص بها فيعد الأكثر تميزاً بين الموديلات الثلاثة، حيث إنه أكثر الأنظمة نعومة ومرونة في الاستخدام، ويظهر ذلك في حالة تعثر السيارة على طريق سيئ، بينما تقود بسرعة 40 ميلاً في الساعة. وربما يمكن تحسين سرعة استجابات هذا الموديل إذا ما تم تزويده بنظام للسيطرة على الارتدادات.
لكن الاختبار أثبت أنه رغم نعومة نظام التعليق في هذا الموديل، إلا أنه لم يفد السيارة في حالة تغيير الاتجاهات الطارئ والمفاجئ داخل الممرات الضيقة. وكان ذلك هو السبب الرئيس الذي جعلها تحصل على المركز الثالث بعد الهوندا والمازدا، لكنها تعادلت مع الهوندا في ما يتعلق بأداء المكابح في هذه الممرات، إلا أن توقفها على مدى مساحة 180 قدماً من معدل سرعة 70 ميلاً في الساعة أمراً لا يدعو إلى الافتخار. كما تعادلت مع مازدا من ناحية أداء ناقل السرعات، خصوصاً الناقل اليدوي الذي يتألف من ست سرعات ويتسم بحيويته. وكذلك تعادلت فيوجن مع أكورد في معدل الاستهلاك الاقتصادي للوقود، حيث يبلغ مقدار استهلاك السيارة 25 غالوناً لكل ميل، كذلك في السعر الأساسي المناسب.
ومن أهم الأسباب التي جعلت فورد فيوجن غير قادرة على التغلب على منافستيها الأخريين، افتقارها إلى التطوير في وسائل الترفيه والمتعة، ما يجعلها سيارة من الطراز «المحافظ»، كما دعاها أحد القائمين بالاختبار.
المركز الثاني: مازدا 6 آي «الفئة السادسة» 2009
تراجعت مبيعات مازدا من الفئة السادسة لعام 2008 إلى حد ما، ويرجع ذلك لكونها أقل حجماً من المقاييس المتبعة في تصميم سيارات السيدان متوسطة الحجم، وهذا ما قامت مازدا بتصحيحه عند إعادة تصميم هذا الموديل لينطلق في عام 2009، حيث صار أكبر حجماً وإن ظلت هوندا أكورد هي الأكبر في الحجم. وفي ما إذا كان هذا الاتساع في الحجم قد أثر في الأداء الحيوي لهذا الموديل، اختبر خبراء مجلة «كار أند درايفر» العناصر غير الديناميكية. فوجدوا، مثلاً، أن التصميم الخارجي للسيارة يعد الأقل تواضعاً مقارنة بالموديلات الأخرى من مازدا، مع ذلك، يمتاز التصميم الخارجي لمازدا 6 آي، بمظهر متألق وبسيط تعززه جودة المعدن الذي تم استخدامه في بنائها، رغم هشاشة المرايا الخلفية. لكن محررو المجلة لم يجدوا شيئاً مميزاً في المقاييس الأساسية لجسم السيارة، وإن أدهشتهم المقاعد الأمامية غير المزودة بالقدر الكافي من الدعم والتقوية، وأرجعوا السبب إلى اعتمادها على المظهر الرياضي الخارجي أكثر من اعتمادها على المزايا التوظيفية، مؤكدين ذلك بأن وسائد الصدمات الداخلية لا تتسم بالكفاءة، كونها مثبتة على مستوى منخفض.
وتتمتع مازدا 6 آي بقدر من التألق والجاذبية ينعكس على مظهرها الخارجي وينبع من لمسة الأناقة التي تميزه عن أي موديل آخر من الطراز نفسه. ويرجع ذلك إلى نظام تعديل الإضاءة الأمامية ذي الثلاث درجات، والذي يفيد كثيراً حين ترغب في ملء صندوق السيارة ببعض الأغراض الثقيلة. ويتشابه هذا الموديل مع فورد فيوجن في ما يتعلق بنظام نقل السرعة، حيث يتميز الناقل اليدوي ذو الست سرعات بفاعلية التبديل والاستجابة في وقت قصير. وقد تم تعديل محرك المازدا ذي الأسطوانات الأربع، بحيث أصبحت سعته 2.5 بعد أن كانت 2.3 لتر، أما القوة التي كانت تبلغ 156 حصاناً، فوصلت إلى 170 حصاناً. والغريب أن محرك مازدا الذي تزيد قوته على فيوجن بمقدار سبعة أحصنة لم يشكل فارقاً عند تسجيل فرق السرعة بين الموديلين أثناء اجتياز سباق السرعة القصوى، حيث سجل كلا الموديلين معدلاً متطابقاً للتسارع من زيرو إلى 60 ميلاً في الساعة خلال ثماني ثوانٍ، ثم إلى 88 ميلاً في الساعة خلال 16.1 ثانية.
وفي اختبار الحلقة الارتجالي، أظهرت مازدا مهارة فائقة في التعرج على الطريق، ما يشير إلى أن الاتساع في حجم هذا الموديل لم يضعف من كفاءته. أما أسباب وضع المازدا بالمركز الثاني فيعود إلى أن نظام بدال المكابح، لم يتسم بالإيجابية نفسها التي اتسم بها موديل هوندا أكورد. كما أن أداءها على الطرق الحرة سرعان ما تعرقل بمجرد عبور رصيف غير مصقول رغم أنه بدا جيداً في البداية. ورغم أن نظام التعليق المتوافر بالمازدا يعتبر رياضياً أكثر من الهوندا أكورد، إلا أن الأخيرة تفوقت في قبض سرعتها المفاجئ عند حافة منحدر، وذلك باستجابتها السريعة التي تمكنها من تحقيق أفضل أداء على اليابسة أياً كانت صفاتها. وذكر المحكمون أن الجسم الخارجي المصقول بحرفية في موديل هوندا أكورد كان سبباً من بين الأسباب غير الديناميكية التي وضعت هذا الموديل في المركز الأول على القمة.
المركز الأول: هوندا أكورد إي إكس- إل 2009
يتم تصنيف موديل «هوندا أكورد» على أنها من طراز السيدان كبيرة الحجم، إلا أنها مقارنة بالموديلين الآخرين، تتحرك بخفة وحيوية تفوق الأخريات. يزيد حجم أكورد على المازدا بأقل من نصف بوصة من جميع الزوايا، ورغم أنها أكبر من الموديلين الآخرين في الحجم، لكنها لم تكن الأثقل، حيث تزيد كل من المازدا والفورد في وزنهما على الهوندا بفارق 20 رطلاً. وبالفعل اكتشف القائمون بالاختبار المغزى الأساسي من ذلك، حيث لم يؤثر حجم الهوندا في أدائها، بينما أثر في أداء الموديلين الآخرين.
لكن أكورد لا تخلو من السلبيات، ومن أهمها تفاوت الأبعاد، حيث وصفت بأنها «ضخمة جداً وقبيحة»، وإن كان من الممكن تفسير ذلك بأنه يعبر عن قوة الأداء. إضافة إلى الضوضاء التي تنتج عن المحرك رباعي الأسطوانة عندما يكون الصمام الخانق مفتوحاً عن آخره أثناء تصعيد السرعة. كما تمت الإشارة إلى نظام الملاحة الإلكتروني والتحكم في التنبؤات المناخية، كونه مقسماً إلى فئتين أغفلتا أهمية ترتيب الأولويات، ليس لغرض معين سوى مراعاة التناسق دون المزايا التوظيفية.
وتمثلت أكثر سلبيات «هوندا أكورد» في أداء نظام نقل السرعات، حيث جاء تراوح الناقل اليدوي بين خمس سرعات فقط، ليأتي بذلك في مكانة لاحقة للموديلين، حيث تحتوي أنظمة النقل اليدوي بهما على ست سرعات. كما ثبت وجود قصور في أداء الناقل اليدوي ما بين السرعة الرابعة والخامسة، ما سبب خمولاً عند التسارع، واستغراق وقت أطول في الانتقال بينهما. كل ذلك رغم قدرة المحرك التي تبلغ 190 حصاناً، وسعته التي تصل إلى 2.4 لتر، وسرعته القصوى التي تبلغ 7100 دورة في الدقيقة، وجميعها من المزايا التي جعلت أكورد تكتسح منافسيها على ساحة السباق.
ويتحسن أداء محرك السيارة إذا كان جديداً بعد أن يسجل عدداً تراكمياً من الميلات التي اجتازها. غير أن هوندا أكورد كانت الأفضل بين الموديلين الآخرين عند بدء التسارع، لتسبق المازدا بنصف ثانية عند بلوغ 60 متراً في الساعة. كما تعادلت مع الفورد في ما يتعلق بالاستهلاك الاقتصادي للوقود، حيث بلغ مقدار استهلاكهما 25 غالوناً لكل ميل. أما من ناحية أدائها في المناورات والتنقلات الطارئة في الممرات الضيقة، فأثبتت أفضليتها وسرعتها بسبب إيقاف نظام التوازن عند اجتياز الممرات.
وقد سجلت أكورد أعلى أداء متوقع في تصميم الفرش الداخلي والمقاعد الأمامية، إضافة إلى مراعاة معايير السلامة البيئية، وتصميم لوحة التحكم المميز، حتى مساحة الكابينة الخلفية تتسم بقدر من الرحابة ما يحقق راحة كاملة لمرتاديها، وهو أمر لم يتحقق لدى منافسيها، مع خفة ودقة عجلة القيادة.